فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{يا بنى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا}
يقول خلقنا لكم الثياب {يوارى سَوْءتِكُمْ} يعني يستر عوراتكم، ويقال معناه أنزلنا عليكم المطر ينبت لكم القطن والكتَّان لباسًا لكم {وَرِيشًا} قرأ الحسن البصري ورياشًا بالألف.
وقرأ غيره وريشًا بغير ألف وقال القتبي: الريش والرياش ما ظهر من اللباس، وريش الطائر ما ستره الله به.
ويقال: الرياش: المال والمعاش.
قال الفقيه: حدّثنا محمد بن الفضل.
قال: حدّثنا محمد بن جعفر حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبي أمامة عن عوف بن أبي جميلة عن معبد الجهني في قوله: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} قال: هو ما تلبسون ورياشًا قال المعاش {وَلِبَاسُ التقوى} هو الحياء {ذلك خَيْرٌ} أي لباس التقوى وهو الحياء خير من الثياب، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول:
إني كأني أرى من لا حياء له ** ولا أمانة وسط القوم عريانا

وقال القتبي: {لِبَاسَ التقوى} أي ما ظهر عليه من السكينة والوقار والعمل الصالح كما قال: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل: 112] أي ما ظهر عليهم من سوء آثارهم وتغيُّر حالهم.
ويقال: {لِبَاسَ التقوى} الإيمان.
ويقال: العفة.
قرأ نافع والكسائي وابن عامر {لِبَاسَ التقوى} بالنصب يعني: أنزل لباس التقوى ومعناه: ستر العورة.
وقرأ الباقون بالضم لِبَاسُ على معنى الابتداء.
ويقال: فيه مضموم يعني: هو {لِبَاسَ التقوى} ومعناه: ستر العورة أي لباسُ المتقين.
وقرأ عبد الله بن مسعود {وَلِبَاسُ التقوى} خير.
وقال مجاهد: كان أناس من العرب يطوفون حول البيت عراة فنزل قوله تعالى: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يوارى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا} يعني: من المال.
ويقال: معنى قوله: {ذلك خَيْرٌ} يعني: اللباس خير من تركه لأنهم كانوا يطوفون عراة.
قوله: {ذلك مِنْ آيات الله} أي من نعم الله على الناس، ويقال: من عجائب الله ودلائله.
{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: يتّعظون. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا بني ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ} أي خلقنا لكم، وقيل: نزّلنا أسبابه وآلاته لأنه المثبّت بما يقول.
وقيل: على الحكم كبقيّة صنعته وذلك أن قريشًا كانوا يطوفون بالبيت عراة وقوله: {لِبَاسًا} وهو ما يُلبس من الثياب {يُوَارِي} يستر {سَوْءَاتِكُمْ} عوراتكم واحدها سوءة، وهي فعلة من السوء سمّيت سوأة لأنّه يسوء صاحبها إنكشافها من جسده {وَرِيشًا} يعني مالًا في قول ابن عباس والضحاك والسدي، فقال: الريش: الرجل إذا تموك وقال ابن زيد: الريش الجمال.
وقيل: هو اللباس. وحكي أبو عمرو أنّ العرب تقول: أعطاني فلان ريشة أي كسوة وجهازة.
وقرأ عثمان بن عفان والحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء وقتادة: ورياشًا بالألف وهو جمع ريش مثل ذئب وذياب وبير وبيار وقَدِحَ وقداح.
قال قطرب: الريش والرياش واحد، كقولك دبغ ودباغ ولبس ولباس وحل وحلال وحرم وحرام، ويجوز أن يكون مصدرًا من قول القائل: راشه إليه بريشه رياشًا.
والرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من المتاع والثياب والفراش وغيرها. وقال ابن عباس: الرياش اللباس والعيش والنعيم. وقال الأخفش: الرياش الخصبة والمعايش.
{وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ} قرأ أهل المدينة والشام. والكسائي ولباس التقوى بالنصب عطفًا على الريش. وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء وخبره خير.
وجعلوا ذلك صلة في الكلام، وكذلك قرأ ابن مسعود وأُبي بن كعب: ولباس التقوى خير. واختلفوا في لباس التقوى ماهو هل يدلّ على لباس التقوى الدرع والساعدان. والساقان. والآلات التي يتّقى بها في الحرب مع العدو.
وقال قتادة والسدي وابن جريج: لباس التقوى هو الإيمان.
وقال معبد الجهني: هو الحياة. وأنشدني أبو القاسم السدوسي قال: أنشدني أبو عرابة الدوسي في معناه:
إني كأني أرى من لا حيالة ** ولا أمانة وسط الناس عُريانًا

عطيّة عن ابن عباس: هو العمل الصالح وروى الذبال بن عمرو عن ابن عباس قال: هو السمت الحسن في الوجه.
وقال الحسن: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص قوهي محلول الزر وسمعته يأمر بقتل الكلاب وينهى عن اللعب بالحمام، ثمّ قال: أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفس محمد بيده ماعمل أحدٌ قط سرًا إلاّ ألبسه الله رداءه علانية إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر» ثمّ تلا هذه الآية {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ} قال: السمت الحسن.
وقال عروة بن الزبير: لباس التقوى خشية الله، ابن زيد: ستر للعورة يتقي الله فيواري عورته {ذلك مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} قال وهب بن منبه: الإيمان عريان لباسه التقوى وزينته الحياء وفاله الفقه وجماله العفّة، وثمره العمل الصالح. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا بَنِيَ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوُءَاتِكُمْ}
نزلت هذه الآية في قوم من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون أن ذلك أبلغ في الطاعة وأعظم في القربة.
وفي دخول الشبهة عليهم في ذلك وجهان:
أحدهما: أن الثياب قد دنستها المعاصي فخرجوا عنها.
والثاني: تفاؤلًا بالتعري من الذنوب فقال الله تعالى: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} أي ما تلبسون من الثياب.
فإن قيل: فليس ذلك بمنزل من السماء.
فعنه جوابان:
أحدهما: أنه لما كان ينبت من المطر الذي نزل من السماء صار كالمنزل من السماء، قاله الحسن.
والثاني: أن هذا من بركات الله، والبركة تنسب إلى أنها تنزل من السماء، كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ} [الحديد: 25].
ثم قال: {يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} أي يستر عوراتكم، وسميت العورة سوأة لأنه يسوء صاحبها انكشافها.
ثم قال: {وَرِيشًا} وهذه قراءة أهل الأمصار وكان الحسن يقرأ: {وَرِيَاشًا} وفيه أربعة تأويلات:
أحدهما: أنه المعاش، قاله معبد الجهني.
والثاني: أنه اللباس والعيش والنعيم، قاله ابن عباس.
والثالث: أنه الجمال والزينة، قاله ابن زيد، ومنه قوله رؤبة:
إليك أشكو شدة المعيش ** وجهد أعوام نتفن ريشي

يريد أذهبن جمالي وزينتي.
والرابع: أنه المال: قاله ابن الزبير ومجاهد، قال الشاعر:
فريشي منكم وهواي معكم ** وإن كانت زيارتكم لماما

وفي الريش والرياش وجهان:
أحدهما: أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
والوجه الثاني: أن معناهما مختلف، فالريش ما بطن، والرياش ما ظهر.
ثم قال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} وفي لباس التقوى سبعة تأويلات:
أحدها: أنه الإيمان، قاله قتادة والسدي.
الثاني: الحياة، قاله معبد الجهني.
والثالث: أنه العمل الصالح، قاله ابن عباس.
والرابع: أنه السمت الحسن، قاله عثمان بن عفان.
والخامس: خشية الله، قاله عروة بن الزبير.
السادس: ستر العورة للصلاة التي هي التقوى، قاله ابن زيد. والسابع: لبس ما يُتَّقَى به الحر والبرد، قاله ابن بحر.
وفي قوله: {ذَلِكَ خَيْرٌ} وجهان:
أحدهما: أنه راجع إلى لباس التقوى ومعنى الكلام أن لباس التقوى خير من الرياش واللباس، قاله قتادة والسدي.
والثاني: أنه راجع إلى جميع ما تقدم من {قَدْ أَنزَلْنَا علَيكُمْ لِبَاسًا يُوارِي سَوْءَاتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوى}، ثم قال: {ذَلِكَ} الذي ذكرته هو {خَيْرٌ} كله. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يا بني آدم} الآية، هذا خطاب لجميع الأمم وقت النبي عليه السلام والسبب والمراد قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت، ذكر النقاش ثقيفًا وخزاعة وبني عامر بن صعصعة ونبي مدلج وعامرًا والحارث ابني عبد مناف فإنها كانت عادتهم رجالًا ونساءً، وذلك غاية العار والعصيان، قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع الآيات، وقوله: {أنزلنا} يحتمل أن التدريج أي لما أنزلنا المطر فكان عنه جميع ما يلبس، قال عن اللباس أنزلنا، وهذا نحو قول الشاعر يصف مطرًا.